تقبّل الآخرين: مفتاح التعاطف والحد من التنمّر لدى الأطفال

 

يبدأ تعليم تقبل الآخرين في سنوات الطفولة الأولى، حين يتعلم الطفل ببساطة أن كل إنسان له مشاعر وتجارب تستحق الاحترام. هناك تجربة شهيرة تستخدم في هيئات رعاية الصحة النفسية للأطفال، حيث شاهدت أم ابنها يسخر من صديق جديد في الحديقة. بدلاً من أن تنهره وتغضب منه، استخدمت أسلوبًا مجرّبًا: جلست معه وسألته “ماذا لو كنت مكانه؟ كيف ستكون مشاعرك؟” وأتبعته بحوار بسيط عن المشاعر. خلال أيام قليلة، لاحظت تغيّرًا واضحًا في سلوك ابنها، فقد بدأ يعتذر، ويعرض على أصدقائه أن يشاركوه ألعابه بشكل تلقائي.

 

تؤكد الدراسات النفسية أنّ تعليم الأطفال مفهوم “نظرية العقل”(Theory of Mind) – أي فهم ما يشعر به الآخرون ويرونه من وجهة نظرهم – يرتبط مباشرة بتطوّر التعاطف والقدرة على تنظيم الانفعالات؛ وكلما قمنا بدعم هذا المفهوم عند الأطفال كلما كانت مهارات حل الخلافات لديهم أقوى. كما بيّنت تجارب شهيرة مثل تجربة “المجموعات المصغّرة” (Minimal Group Paradigm) أن الطفل، حتى في عمر 5 سنوات، يميل لتفضيل من يشبهه فقط وينفر من الأشخاص وخصوصًا الأطفال الذين لا يشبهونه، لكن أثبتت التجربة أنه باستطاعتنا بناء قبول التنوع عبر أنشطة ودروس تنمي الفهم والتعاون وهذا ما سنتطرق له لاحقاً في هذا المقال.

على صعيد آخر، شهدت برامج التدريب على التعاطف في المدارس انخفاضًا مذهلاً في معدلات التنمّر. ففي تجربة منشورة في مجلة علوم السلوكيات، حصلت مجموعة من الأطفال على تدريبات يومية تشمل اللعب الجماعي وتمثيل الأدوار، أدّت إلى تعزيز علاقات الصداقة بينهم وخفض سلوكيات التنمّر خاصة في صفوف المرحلة الابتدائية.

ظهر أيضًا التعلّم الاجتماعي والعاطفي (SEL) كأقوى أداة لتحسين جودة العلاقات في البيئة المدرسية والمنزلية، فهي تركز على خمسة مهارات رئيسية: الوعي بالنفس، التحكم بسلوكيات الطفل، التوعية الاجتماعية والتعاطف، مهارات بناء العلاقات، واتخاذ القرارات المسؤولة. أظهرت دراسة شملت 213 بحثاً فعالاً أن الطلاب في برامج SEL سجلوا تحسناً بنسبة 11% في الأداء الأكاديمي وانخفاض ملحوظ في المشكلات السلوكية، خاصة في برامج مكافحة التنمّر التي تدمج مع تدريب الضبط الانفعالي.

دور الأسرة لا غنى عنه في تنمية قيمة تقبّل الآخر. أظهرت بيانات من دراسة حول الترابط الأسري وجود علاقة قوية بين الحوار الدافئ ودعم الطفل في بناء شخصيته المتوازنة، بعيدًا عن سلوكيات العنف أو السخرية والتنمر.

هناك خطوات عملية وعلمية يمكنك تطبيقها يوميًا مع طفلك:

  • خصّص وقتًا للعب – مثل بناء منزل معًا أو لعب الكرة أو استكشاف أماكن جديدة
  • استخدم الدمى أو القصص المصورة لتمثيل مواقف حقيقية: “كيف يشعر الثعلب إذا ضحك عليه صديقه؟”
  • بعد أي مشادة بين مجموعة أطفال، اسألهم: “ماذا شعر صديقك؟ كيف تصلح ما حدث؟”
  • درّب طفلك على عبارات تهدئة مثل “لنجرّب أن نتحدّث معًا” أو “هل ترغب أن تلعب معنا؟”
  • حفّز طرح الأسئلة حول مشاعر الآخرين، وشجّع الاعتذار الفعّال كخطوة لبناء العلاقات الصحية
  • لا تستخدم وصف “متنمّر/ضحية”؛ ذكّر ابنك دائمًا أن السلوك قابل للتعلم والتغيير

 

المراجع
Durlak, J. A., Weissberg, R. P., Dymnicki, A. B., Taylor, R. D., & Schellinger, K. B. (2011). The impact of enhancing students’ social and emotional learning: A meta-analysis of school-based universal interventions. Child Development, 82(1), 405-432.
Johnson, D. W., & Johnson, R. T. (2009). An educational psychology success story: Social interdependence theory and cooperative learning. Educational Researcher, 38(5), 365-379.
Batson, C. D. (2009). These things called empathy: Eight related but distinct phenomena. In J. Decety & W. Ickes (Eds.), The social neuroscience of empathy (pp. 3-15). MIT Press.
Palade, T., & Pascal, E. (2023). Reducing bullying through empathy training: The effect of teacher’s passive presence. Behavioral Sciences, 13(3), 216.
CESE. (2023). Effective social emotional learning practices for early childhood education.
Paluck, E. L., Green, S. A., & Green, D. P. (2019). The contact hypothesis re-evaluated. Behavioural Public Policy, 3(2), 129-158.
Child Trends (2011). Parental Relationship Quality and Child Outcomes.